قال ابن تيمية رحمه الله: ( إن اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، لأن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بالعربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ).
مقاطع اليويتوب النقي الجديدة  

الخميس، 30 سبتمبر 2010


تلاحــــــــى
***
شعر / صبري الصبري
***

 
تلاحى النثر بالصوت  الجهوري
مع   الشعر   المدجج   بالبحورِ
ولاح  القول   من   نثر   لشعرٍ
على  مرأى  وأسماع   الحضورِ
فقال النثر في عجب  سرت  بي
أعاجيبُ    البلاغة     بالسطورِ
وفاح العطرُ من  روضي  بحسن
جميل   بين    باقات    الزهورِ
وصاح   الكلُّ   أفكاري    بيسرٍ
بعرس   لاح   بالوجه    المنيرِ
عروس  النثر  في  بنت   لشفةٍ
بزينات   لها    أغلى    المهورِ
لها الخُطَّابُ قد  جاءوا  وراحوا
بأصداف    اللآليء     بالبكورِ
وفي كتبي الجواهر  في  فصولٍ
رقت   بي   بين   إبريزِ   ونورِ
وقال  الشعر  يا   نثري   رويدا
رويدا يا أخا الصوت الجهوري!
سبقتَ  الشعر  في  نبس   بقولٍ
لكل الناس  من  ماضي  الدهورِ
فأنت  البدء  في  نطق   بحرف
له   بالفمِّ    مسموع    الضميرِ
حديث  الناس  في  نثر  بوصفٍ
لعيش  كان  في  بدء   العصورِ
وجاء  الشعرُ  يا   نثري   فإني
شريكك في الثمار وفي الجذورِ !
جعلتُ  القول   مختصرا   مفيدا
تقيده   القوافي   في    بحوري
وصاغ  النصَّ  مختزلا  قصيدي
بآلاء     السعادة      والسرورِ
أوافي   الناس   بالآمال    تترا
بكون   ضم    بالعليا    بدوري
أواسيهم     بأبياتي     ودوري
وأهديهم    بإخلاص    شعوري
وأمنحهم   بأغراضي   قصوري
وأحبوهم    بأشواقي    حبوري
وبي  الشعراء  في  شدو   بديع
لهم   بالجو    تغريد    الطيورِ
لهم    تحليق    إبداع     جميلٍ
جليل   بين   ملمسه   الحريري
سموا  بالحس  في  شدو  غريد
فريد    حول    مرآة     الغديرِ
يضيء الروحَ  تصويري  فترقى
رقيا    بين    فردوس    نضيرِ
جميل   مشرق    عذب    رقيق
عميقٍ    طيب     فخم     مثيرِ
فطالع   في   دواويني   دراري
كحور  العين   بالفرش   الوثيرِ
فما  للنثر   قد   لاحى   صديقا
رفيقا   بث    زخَّات    العطورِ
ومدَّ    الورد    مبعوثا    حبيبا
لبيبا    بين    زخرفة    العبيرِ
فَعُد   للحب   يا   نثري   كفانا
حبيبَ   القلب   آلامَ    القصورِ
كفانا  الضعف  في  لغة   لضادٍ
بها  الإبداع  في  سوء  المصيرِ
بها الأخطاءُ  في  نحو  وصرفٍ
لدى  الأجيال  بالجهل   الخطيرِ
تعال  نصطفي  الأذواق   نسمو
بها   للفهم    والعلمِ    الطهورِ
ونبني  عالم   الإنسان   صرحا
جليلا   وفق    منهاج    القديرِ
فقال النثر  يا  شعري  :  حكيمٌ
حكيمٌ  أنت  ذو  عقل  كبيرِ   !!
كلانا  في  فضا   الأحيا   جناحُ
به   يرقون    للعيش    القريرِ
كلانا    برق    إبداع     ورعد
بغيث   جاد    بالفكر    المطيرِ
وصلى   الله   ربي   كل   وقت
على المختار  سيدنا  البشيرِ  !!

الجمعة، 24 سبتمبر 2010


مشروع ضخم لإنارة قبة الصخرة والمسجد الأقصى

مشروع ضخم لإنارة قبة الصخرة والمسجد الأقصى
أعلن مدير أوقاف القدس الشيخ عزام الخطيب أن مشروعا ضخما لإنارة قبة الصخرة والمسجد الأقصى والحرم الشريف برعاية أردنية يجري تنفيذه حاليا.

وقال الشيخ عزام الخطيب:" إن العاهل الأردني عبد الله الثاني "تبرع لتمويل خمسة مشاريع للحرم الشريف، من بينهم مشروعا ضخما لإنارة قبة الصخرة والأقصى بشكل خاص والحرم الشريف"، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

وأضاف: "تقدمنا بدراسة لخمسة مشاريع تخص الحرم الشريف بلغت ميزانيتها 2،5 مليون دينار (3،5 مليون دولار). وإن هذه المشاريع تشمل إنارة وفرش المسجد الأقصى وقبة الصخرة وسيارة للنظافة ومولدات كهربائية وتصفيح مسجد النساء والمكتبة والمتحف الإسلامي بمادة الرصاص".

وتابع الخطيب إن مشروع الإنارة يشمل "وضع أربعين كشافا عند الزوايا المختلفة لقبة الصخرة بقوة 1400 واط ووضع 170 كشافا لإنارة الأقصى والحرم الشريف وتمديد الشبكات الكهربائية وإعادة تأهيلها"، موضحا أن "كلفة المشروع ستبلغ نحو 400 ألف دينار أردني".

من موقع لجينيات

الأحد، 19 سبتمبر 2010

رسائل الجوال في أعيادنا ومناسباتنا وهذه الملحوظات



رسائل الجوال في أعيادنا ومناسباتنا وهذه الملحوظات
لجينيات ـ الحمد لله الذي توالت علينا نعمه، وتزايد علينا فضله، وتتابع لنا عطاؤه، والصلاة والسلام على من سخّر نعم الله تعالى عليه لطاعته سبحانه والتقرب إليه جل شأنه، أما بعد:

فرسائل الجوال ( ثقافة جديدة ) فرضت نفسها على المجتمعات المعاصرة بدرجةٍ لافتة للنظر حتى أنها أصبحت من أهم وأبرز الوسائل التقنية الحديثة التي يعتمد عليها كثيرٌ من الناس في التواصل بينهم، ولاسيما في المناسبات العامة والخاصة سواءً أكان ذلك التواصل لغرض إجراء الاتصالات والمكالمات، أو لتبادل التهاني والتبريكات، أو لنقل الأخبار والطرائف والنُكات، أو غير ذلك من الأغراض المختلفة.

وقد انتشر استخدام رسائل الجوال بين أفراد وفئات مجتمعنا المعاصر بشكلٍ لافتٍ للنظر حتى أن المصادر المعلوماتية تُشير إلى أن عدد هذه الرسائل قد بلغ في بعض المناسبات أرقامًا فلكيةً لا يُصدقها إلا من عايش الناس وتعامل مع واقعهم، وحيث إن لهذه الرسائل منافع عديدة وفوائد جمة متى تم استخدامها بحكمةٍ وروية فهي تمتاز بسرعة الانتشار، واختصار الوقت، وتوفير الجهد، إضافةً إلى إسهامها الواضح في تيسير عملية الاتصال بين الناس والتشجيع عليها، وجعل إمكانية التواصل بينهم سهلةً ومُيسرةً إلى حدٍ كبير؛ إلا أن هناك عددًا من الملحوظات التي تؤخذ على كيفية استخدام هذه الرسائل، ويأتي من أبرز تلك الملحوظات ما يلي:

= أن ترسل الرسالة المكتوبة من جوال صاحبها إلى جوالات الآخرين مهما كان عددهم دون كتابة اسم المرسل لها ، وهذا بلا شك من الملحوظات السلبية التي تؤخذ على المرسل، فليس من المعقول أن يكون جميع المستقبلين حافظين لرقم جوال المرسل أو مُخزنين له في أجهزتهم، ثم إن كتابة الاسم بطريقةٍ واضحة لن تُكلف المرسل ولن تُثقل عليه.

= أن يكتفي المرسل بكتابة عبارة ( أبو فلان أو أبو فلانة ) في نهاية رسالته، وكأنه على يقينٍ بأن جميع من ستصلهم رسالته يعرفون أنه أبا فلان أو أبا فلانة، والأدهى من ذلك أن يكتب اسمه بطريقةٍ مختصرةٍ جدًا وغير واضحة، كأن يكتب ( محمد الشهري )، أو ( عبد الله القحطاني )، أو نحو ذلك من الأسماء التي يشترك فيها الكثير، والتي يصعب معها معرفة صاحب الرسالة على وجه التحديد.

= أن يقوم البعض بكتابة اسمه الرباعي كاملاً، وربما أكثر من ذلك فيذكر اسمه كاملاً وملحقًا باسم العائلة والقبيلة ونحو ذلك، وكأنه يكتب معروضًا لإحدى الدوائر الحكومية التي تطلب ذلك ممن يتقدمون إليها في مراجعاتهم.

= أن يُطيل البعض ويُسهب كثيرًا في كتابة محتوى الرسالة حتى أنها تُرسل على أكثر من جزء، ومعلومٌ ما في هذه الإطالة من الإزعاج والملل غير المقبول. 

= عدم الدقة في كتابة بعض الكلمات نتيجةً للسرعة، أو لعدم الإلمام بالكيفية الصحيحة للكتابة، إضافةً إلى كثرة الأخطاء الإملائية والنحوية التي تكون نتيجتها تغير المعنى المقصود، أو طرافته، أو تشوهه، أو نحو ذلك مما يُفقد الرسالة معناها.

= الاستعجال في إعادة إرسال الرسائل كما هي دون تصحيحٍ لما قد تشتمل عليه من الأخطاء اللُغوية، أو عدم إلغاء الأسماء من الرسائل المعاد إرسالها وبذلك تبقى الرسائل مذيلةً باسم مُرسلها السابق، أو نحو ذلك مما يدل على عدم الاهتمام واللامبالة.

= الإرسال الجماعي الذي يقوم به الكثير من المرسلين لهذه الرسائل وبخاصةٍ في المناسبات، والذي يُلاحظ معه حصول التكرار في عدد مرات إرسال الرسائل كأن تصل الرسالة أكثر من مرة لجوال المستقبل، وهو ما يُلاحظ ( على بعض الشركات المسؤولة عن تقديم خدمة الاتصالات ) في بعض المناسبات كالأعياد وشهر رمضان وغيرها.

وبعد؛ فإن ما ذُكر من ملحوظاتٍ ليس إلا نزرًا يسيرًا من الكثير الذي يُمكن أن يلاحظ عند الكثيرين، والذي نحتاج معه إلى إعادة النظر في كيفية تعاملنا مع هذه الوسيلة التقنية العصرية التي تحتاج منا إلى وعيٍ وإدراكٍ وحُسن تعامل حتى يتواءم ذلك مع ما ينبغي أن تتحلى به شخصية الإنسان المسلم من صدقٍ وموضوعيةٍ وإدراكٍ لعِظم مسؤولية الكلمة سواءً أكانت منطوقةً أو مكتوبة ، والله نسأل أن يوفقنا جميعًا لصادق القول وصالح العمل والحمد لله رب العالمين .

بقلم الدكتور / صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية المُشارك بكلية التربية
في جامعة الملك خالد بأبها

الجمعة، 17 سبتمبر 2010

حروف الدجـــاج


قال المسعودي (مروج الذهب ومعادن الجوهر: 2/603- 604- تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد – دار الكتاب اللبناني / مكتبة المدرسة - ط 1 – 1402هـ/1982م)، في "ذكر خلافة المعتضد": 
"وكان أبو خليفة [الفضل بن الحباب الجمحي. ت: 305هـ] لا يتكلف الإعراب، بل قد صار له كالطبع، لدوام استعماله إياه من عنفوان حداثته، وكان ذا محل من الإسناد. وله أخبار ونوادر حسان قد دونت.
منها: أن بعض عمال الخراج بالبصرة كان مصروفا عن عمله، وأبو خليفة مصروفا عن قضائه، فبعث العامل إلى أبي خليفة: "أن مبرمان النحوي صاحب أبي العباس المبرد قد زارني في هذا اليوم إلى بعض الأنهار والبساتين، فأتوه مبكرين مع من حضرنا من أصحابنا، وسألوه الحضور معهم [كذا]، فجلسوا في سمارية متفكهين قد غيروا ظواهر زيهم، حتى أتوا نهرا من أنهار البصرة واستحسنوا بعض البساتين؛ فقدموا إليه وخرجوا إلى الشط وجلسوا تحت النخل على شط النهر، وقدم إليهم ما حمل معهم من الطعام وكان أيام المبادي، وهي الأيام التي يثمر فيها الرطب فيكبسونه في القواصر تمرا، وتكون حينئذ البساتين مشحونة بالرجال من من يعمل في التمر من الأَكَرَة، وهم الزراع وغيرهم.
فلما أكلوا قال بعضهم لأبي خليفة - غيرَ مُكَنٍّ له خوفا أن يعرفه من حضر من من ذكرنا من الأَكَرَةِ والعمال في النخل -:
"أخبرني - أطال الله بقاءك - عن قول الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا قُوا أنفسكم وأهليكم نارا" هذه الواو ما موقعها من الإعراب؟"
قال أبو خليفة: "موقعها رفع، وقوله: "قوا" هو أمر للجماعة من الرجال".
قال له: "كيف تقول للواحد من الرجال والاثنين؟"
قال: يقال للواحد من الرجال: "قِ"، وللاثنين: "قِيَا"، وللجماعة: "قُوا".
قال: "كيف تقول للواحدة من النساء وللاثنتين منهن وللجماعة منهن؟".
قال أبو خليفة: "يقال للواحدة: "قِي"، وللاثنتين: "قِيَا"، وللجماعة: "قِينَ".
قال: "فأسألك أن تعجل بالعجلة كيف يقال للواحد من الرجال وللاثنين وللجماعة والواحدة من النساء والاثنتين منهن والجماعه منهن؟".
قال أبو خليفة عجلان: "قِ قِيَا قُوا قِي قِيَا قِينَ".
وكان بالقرب منهم جماعة من الأَكَرَةِ، فلما سمعوا ذلك استعظموه، وقالوا:
"يا زنادقة! أنتم تقرؤون القرآن بحروف الدجاج!".
وعدوا عليهم فصفعوهم؛ فما تخلص أبو خليفة والقوم الذين كانوا معه من أيديهم إلا بعد كد طويل".

وقال السيوطي في "بغية الوعاة" في ترجمة أبي حاتم سهل بن محمد السجستاني (ت: 248 أو 250 أو 254 أو 255هـ، عن نحو 90 سنة):
"ودخل بغداد، فسئل عن قوله تعالى: "قوا أَنفسكم"، ما يقال منه للواحد؟
فقال: "قِ".
فقال: "فالاثنين؟".
فقال: "قِيَا".
قال: "فالجمع؟".
قال: "قُوا".
قال: "فاجمع لي الثلاثة".
قال: "قِ، قِيَا، قُوا".
قال: "وفي ناحية المسجد رجل جالس معه قماش، فقال لواحد: "احتفظ بثيابي حتى أجيء". ومضى إلى صاحب الشرطة، وقال: "إني ظفرت بقوم زنادقة يقرؤون القرآن على صياح الديك".
فما شعرنا حتى هجم علينا الأعوان والشرطة؛ فأخذونا وأحضرونا مجلس صاحب الشرطة، فسألنا؛ فتقدمت إليه وأعلمته بالخبر، وقد اجتمع خلق من خلق الله، ينظرون ما يكون، فعنفني وعذلني، وقال:
"مثلك يطلق لسانه عند العامة بمثل هذا!"
وعمد إلى أصحابي فضربهم عشرة عشرة، وقال: "لا تعودوا إلى مثل هذا".
فعاد أبو حاتم إلى البصرة سريعا، ولم يقم ببغداد، ولم يأخذ عنه أهلها". 

الأربعاء، 15 سبتمبر 2010


أفراح شوال
بقلم محمد مسعد ياقوت 

في شهر شوال، يكثر النكاح، فتعلو الفرحة، وتسود البهجة، وترى أهل التدين حراصًا على إنفاذ أمر العقد أو الدخول بأهلهم في هذا الشهر البهيج لما يعلمونه من استحباب ذلك؛  فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : «تزوجني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في شوال ودخل بي في شوال، فأيُّ نسائه كان أحظى عنده منِّي؟ قال عرورة: وكانت عائشة تَسْتَحِبُّ أن تُدْخِل نساءها في شوال[1]

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم21

سعيدًا فرحًا أُرسل هذه الكلمات لكل قلبين ارتبطا في هذا الشهر على ميثاق الله الغليظ.
وأقول: نبارك للعروسين، ونحيّيّ الأسرتين، ونُهدي إليهما طائفة من الأزاهير الفَرحةِ، والأفانين العبقة، قد قُطفتْ من بساتين الإيمان، أغصانُها السكن، ونواويرها المودةُ، وأعوادُها الرحمة. وردةً وردةً، رياحينَ وياسمينَ:
أما الزهرة الأولى للعروسين: فهي أن نبارك لهما، وندعو لهما كما كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعو:  "بارك الله لك و بارك عليك و جمع بينكما في خير "[2].
ونسأله سبحانه أن يجعله زواجًا مباركًا، وأن يحفظهما من كل سوء، وأن يرزقَهما الذرايةَ الصالحة، وأن يصب لهما الخير صبًا، وألا يجعل عيشهم كدًا، وأن يطرد الشيطان من بينهما، ويحفظهما من شر حاسد إذا حسد، ومن شر كل عين.
 
أما الزهرة الثانية:
 فهي شكرٌ للعروسين، وتحيةٌ للعائلتين،  ذلك إنْ شرعا في إجراء العقد أو الزواج وفق سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ  فكان من أمرهم أن أقاموا حفل الزواج البهيج إسلاميًا؛ طاهرًا من المنكرات، نظيفًا من كل سوء، لا تبرج فيه ولا اختلاط، لا خمر فيه ولا محرمات. وما أعظمَ الأسرةَ التي أُسست من أول يوم على الطاعة والسُّنة. وهذا أحرى أن تخرجَ ذريتهما محبةٌ للطاعة والسنة.
أما الزواج الذي يبتدأ على المعاصي، والفرق الغنائية، والآلات الموسيقية، في أفراح الاختلاط والمجون، والإسراف والجنون، فهي زيجات ممقوتة، لا بركة فيها.
إذ كيف يكون بيتًا طاهرًا وقد انطلق من الحرام، وأتى الواحدُ منهم بعروسه، فزينها في أبهى حُلة، وكشفها للقاصي والداني، والصالح والطالح، يراها الجميعُ، ولسانُ حال العريس: أنا دَيُّوثٌ وهذه امرأتي انظروا إليها!

فجزاكم الله خيرًا أيها العروسان أن طهرتما مسامعنا عن الحرام، ودعوتمونا أن نشارككم الفرحة في طاعة الله، ونساهمكما الحَبرة في رضوان الله ( هذا إذا دعوتمونا !) [ ابتسامة !] .
 
أما الزهرةُ الثالثة: 
فهي إلى العريس خاصة؛ نقول له: أبشر فقد استكملت نصف دينِك، يقول لك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ نِصْفَ الدِّينِ ، فَلْيَتَّقِ الله فِيما بقي "[3].
[ وهذا هو اللفظ الصحيح لهذا الحديث؛ أما لفظ:" من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي "[4] فهو لفظ ضعيف ]
فأبشر بذلك التمام؛ واذكر وصيةَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لك أو لمن عقد :" فَلْيَتَّقِ الله فِيما بقي ".
 
أما الزهرةُ الرابعة إليكما:
 فهي ذات نوْارَتين : آية وحديث، أما الآية فقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً }الفرقان54
فسبحان الله الذي خلق من الماء المهين رجالاً ونساءً، ثم جعل من هذا الماءِ جماعات وشعوبًا وقبائل، وجعل بينهم أنسابًا ومصاهرةً، وكان ربك قديرًا، أن خلق من الماء حياةً فيها الروح والمشاعر والأحاسيس.
ألا فلتعلمي يا نفسُ أنكِ من ماء، فلماذا الكبرياء!
ليت شعري! أنتِ أيتها النفس الإنسانية كيف كنتِ حتى تتعالين وتظنين أنك فوق الناس، كلكم لآدم وآدم من تراب!

وأما الحديث، فقولُ النبي ـ صلى الله عليه وسلم  :" إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض"[5].
نعم، فالمقياس الذي يتفاضل به العرسان هو مقياسُ الدينِ والخلق، لا مقياسُ المال أو العقار أو المنصب أو النسب.
والحقُ أن صاحب الدين والخلق عملةٌ نادرة في زمن يُقاس فيه الناسُ بالجنيه والدولار، فإذا ما جاءك صاحبُ التدين والتخلق فذاك نعمةٌ من الله، وإن رددته فذلك فساد عريض، وذنبٌ عظيم، ما دام الرجلُ يملك البائة.
تالله إن صاحبَ الدين خيرٌ وأنفعُ من صاحب المال الذي لا يصلي ولا يعرف هرًا من بر في أمر دينه!
ويُمين الله إن الواقعَ يثبت لك أن زوج ابنتك الفقيرَ الخلوق هو صاحب البر والصلة والأصل الطيب والمنبت الكريم، وأما الآخر فهو الذي أخذها لحمًا وتركها عظمًا!
تلك الزهرةُ الثالثة في آية وحديث.

والزهرة الخامسة التي نطيرها في الهواء؛ نقذف بها على رأس العريس، طيبةً نديةً، وصية الله بالنساء، ووصية رسول الله بالنساء، قال الله تعالى : {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }النساء19 وهي جملةٌ قرآنية وجيزة عظيمة، أُلّفتْ فيها الكتب والشروح؛ ُوقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " استوصوا بالنساء خيرًا "[6]
وقال: "أكْمَلُ المُؤمِنِينَ إيمَاناً أحْسَنُهُمْ خُلُقاً ، وخِيَارُكُمْ خياركم لِنِسَائِهِمْ "[7]

والزهرةٌ السادسة هي حكمةٌ نقول فيها: غلاء المهور فسادٌ، وقلة بركة. أرحْ نفسك أيها المسلم، اظفر بصاحبة الدين حينئذ لا فقر ولا غلاء.
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها. فاظْفَر بذات الدين تَرِبَتْ يداك»[8].
هي خير لذة، وأطيب متاع، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ"[9].

ونهيب بالمسلمين جميعًا أن يتعاونوا لتيسير الزواج، فإن تيسير الزواج معناه نشر الفضيلة وتقييد الرذيلة، وإن التكلف والمغالاة والتضييق على الشباب كُلها أمورٌ تفتح أبواب الحرام والخراب، وما انتشر الزواج السري إلا بعدما شُدد على الزواج الحلال.

ألا فلتعلمي يا نفسُ أن الفضيلةَ من الدين، وأن من ذهبت فضيلتُه ذهبت مروءتُه، وضاع سؤدُده، وبار ورعه .
اعلمي يا نفسُ أن العفةَ، علو في الهمة، سموٌ للفكرة، وقوةٌ للنفس، وزادٌ عند البأس.
مرةً أخرى ندعو للعروسين بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير .
 

---------------------------------------
[1] مسلم : 2551
[2] الحاكم : 2745 ، وغيره،  قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 4729 في صحيح الجامع
[3] الطبراني في " المعجم الأوسط " ( 1 / 162 / 1 )، وهو في "السلسلة الصحيحة" : 625
[4] قال الشيخ الألباني : ( ضعيف ) انظر حديث رقم : 5599 في ضعيف الجامع
[5] على خلاف حول صحته ـ أخرجه الترمذي ( ا / 201 ) و ابن ماجة ( 1 / 606 - 607 ) و الحاكم ( 2 / 164 ، وهو في السلسلة الصحيحة : 1022
[6] مسلم : 2671
[7] أخرجه الترمذي ( 1 / 217 - 218 ) و أحمد ( 2 / 250 ، 472 ) . في "السلسلة الصحيحة": 284
[8] أخرجه البخاري، ومسلم
[9] مسلم : 2668
 

الاثنين، 13 سبتمبر 2010

وداعًا .. الكسل والفوضى


د. محمد فتحي


نعم أنت تستطيع بلا شك أن تُخْرِج الكسلَ والفوضى منك..
اقضِ على الكسل:
يقول الله عز وجل:  "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (العنكبوت: 69).ويقول أبو مسلم الخولاني وقد علق سوطًا في مسجد بيته يخوِّف به نفسه، وكان يقول لنفسه: قومي فوالله لأزحفنّ بكِ زحفًا حتى يكون الكَلَل منك لا فيّ، فإذا دخلت الفترة (يعني شعر بالكسل) تناول سَوْطَه وضرب به ساقه، وقال: أنت أوْلَى بالضرب من دابتي، أيظن أصحاب محمد يستأثرون به دوننا؟ كلا والله لنُزاحمنّهم عليه زحامًا حتى يعلموا أنهم قد خلفوا رجالاً، لله درهم من رجال.
ويقول ابن القيم: كمال الإنسان بهمة ترقيه وعلم يبصره ويهديه.
* إن نجاحك في حياتك مرهون بكفاحك والنشاط أسهل طريق لتحقيق أهدافك.
* اذكر الله- عز وجل- عند صحوك مباشرة ليساعدك على التنبّه، ويحل عقدة الشيطان ثم الوضوء والصلاة.
* اجعل يومك مليئًا بالأعمال والأشغال منها الذهني واليدوي والبدني والمطالعة والزيارة والنزهة.
* ضع جدولاً للأعمال لأدائها وإن تأخرت عن أداء بعض منها، عاقب نفسك بحرمانها مما تحبّ.
* ابحث عن الأطعمة والمشروبات المناسبة لبدنك ولتمنحك الطاقة والنشاط.
* الدعاء كما كان يدعو رسول الله صباحًا ومساءً: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل، ومن غلبه الدين وقهر الرجال» (رواه البخاري).
* تأكّد من عدم وجود أي مرض عضوي بيولوجي، وإن كان الكسل بسبب مرض ما، فاذهب للطبيب فورًا وتداوَ من المرض.
* إن أردت ألا تتعب فاتعب حتى لا تتعب، إياك والكسل والضجر فإنك إن كسلت لم تؤدِّ حقًّا، وإن ضجرت فلن تصبر على الحق.
الكسل من صفات المنافقين كما قال تعالى: "وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى" (النساء: 143). فهل أنت من المنافقين؟ والله عز وجل دعا إلى نبذ الفتور والكسل، وذلك بالمسارعة إلى الخيرات والمسابقة عليها، وأثنى على المؤمنين الذين يسارعون إليها فقال عز وجل: "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدِّتْ لِلْمُتَّقِينَ" (آل عمران: 133). وسارعوا: أي بادروا، فهل أنت من المؤمنين الذين ينبذون الفتور والكسل والتراخي.
يقول الشاعر:
إذا غامرت في أمر مروم   فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير  كطعم الموت في أمر عظيم
ويقول آخر:
أأبيت سهران الدجى وتبيته         نومًا وتبغي بعد ذاك لحاقي
* ضع في اعتبارك أن الكسل مطية الفشل، كما أن النشاط مطية النجاح، وما من كسول إلا والهزيمة مصيره، فالقدر لا يسوق الحظّ إلا إلى من يستحقه وليس إلى من يضيعه بتكاسله وتوانيه، واعلم أن عقل الكسول مكمل الشيطان، فهناك يخطط إبليس لكل مشاريعه في إيقاف الحياة.
تذكر في طريقك:
«الكسل مفتاح البؤس به تولدت الفاقة ونتجت الهلكة» علي ابن أبي طالب رضي الله عنه.
«من دام كسله خاب أمله»  علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
«ليس لثلاث حيلة: فقر يخالطه كسل، وخصومة يخامرها حسد، ومرض يمازجه هرم»
«الكسل أم، ابنها الجوع، وابنتها السرقة» هيجو.
«المتعب ينام على وسادة من الحجر ليستريح، أما الكسلان فلن يجد الراحة فوق وسادة من الريش» شكسبير.
«إني لأبغض الرجل أن يكون كسلانًا عن أمر دنياه ومن كسل عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل» أثر.
«المؤمن بعيد كسله دائم نشاطه قريب أمله حي قلبه».
** أيتها الفوضى....  وداعًا:
* الخالق سبحانه وتعالى خلق الكون في نظام دقيق مذهل ويقول: "وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا" (الفرقان: 2). والذي يعيش في فوضى يخالف ناموسًا طبيعيًّا، مما خلق الله عليه، وبالتالي يتحول إلى الفشل والضياع وقلة الإنتاج وضآلة العطاء، ثم يحل به اليأس والإحباط والتوتر والقلق، فلماذا تخالف سنة الله عز وجل؟!
* لا تدع شيئًا في حياتك دون ترتيب، ابدأ بوقتك ثم أمورك الشخصية والعمل وكل شيء.
* لا تدع شيئًا من حياتك في فوضى وعدم تنظيم، محتسبًا ذلك عند الله عز وجل وأنك تطبق سنة كونية من سنن الله تعالى.
* تخلص من كل ما يدعو إلى الفوضى، تخلص من الزيارات الفارغة والمهمات التافهة والصِّلات الزائدة التي لا جدوى منها والتنظير في الأمور العقيمة.
* ابتعد عمن مثلك أو يدعو إلى الفوضى متمثلاً بقول الشاعر:
لا تصحب الكسلان في حالاته     كم صالح بفساد آخر يفسد
عدوى البليد إلى الجليد سريعة      كالجمر يوضع في الرماد فيخمد
* اصمد حتى تودع الفوضى:
لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله       لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر
فالمسألة ليست هينة؛ لذا درّب نفسك على الاحتمال، طول النفس والصبر.
* لا تكن ضعيفًا في الإرادة كما قال الشيخ محمد الغزالي في كتابه «جدّد حياتك»: (إن الرجل الضعيف قد يفزعه المصاب ويشتت أفكاره وبدلاً من أن يختصر متاعبه بمجابهة الواقع والاستعداد لقبوله يسترسل مع الأحزان التي تضاعف كآبته ولا تغير شيئًا، ومن ظواهر قوة الإرادة الجدّ في الأمور والأخذ فيها بالحزم والنظام في الأعمال، والبعد عن الفوضى، أما ضعيف الإرادة فإنه يتخاذل أمام ميل نفسه إلى الكسل، ولا يمكن الذي يحب الراحة صاحب مهمة وصاحب إنجاز فانظر لنفسك وجدد حياتك.
إذن: أنت تستطيع التخلص من الكسل والفوضى

الأحد، 12 سبتمبر 2010

صيـــام الست من شوال

بقلم فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة


عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِي - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ)(1).
وخص شوال لأنه زمن يستدعي الرغبة فيه إلى الطعام لوقوعه عقب الصوم فالصوم حينئذ أشق فثوابه أكثر.
وفي حديث ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدِ الْفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ ) . يعني رمضان وستة أيام بعده(2).
قال الإمام النووي - رحمه الله -: قال العلماء: وإنما كان كصيام الدهر، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين.
وقال الإمام أحمد: ليس في أحاديث الباب أصح منه.
و في صيام الست من شوال فضائل
1 ـ إن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله.
2 ـ إن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص، فإن الفرائض تكمل بالنوافل يوم القيامة.. وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل، فيحتاج إلى ما يجبره من الأعمال.
3 ـ إن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله تعالى إذا تقبل عمل عبد، وفقه لعمل صالح بعده، كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها، فمن عمل حسنة ثم أتبعها بحسنة بعدها، كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى، كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علامة رد الحسنة وعدم قبولها.
4 ـ إن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب، كما سبق ذكره.
5 ـ أن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر، وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكراً لهذه النعمة، فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب، كان النبي يقوم حتى تتورّم قدماه، فيقال له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر؟! فيقول: (أفلا أكون عبداً شكورا). وقد أمر الله - سبحانه وتعالى - عباده بشكر نعمة صيام رمضان بإظهار ذكره، وغير ذلك من أنواع شكره، فقال: "وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"[البقرة:185] فمن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيام رمضان، وإعانته عليه، ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكراً عقيب ذلك.
وكان بعض السلف إذا وفق لقيام ليلة من الليالي أصبح في نهارها صائماً، ويجعل صيامه شكراً للتوفيق للقيام.
وكان وهيب بن الورد يسأل عن ثواب شيء من الأعمال كالطواف ونحوه، فيقول: لا تسألوا عن ثوابه، ولكن سلوا ما الذي على من وفق لهذا العمل من الشكر، للتوفيق والإعانة عليه.
كل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا يحتاج إلى شكر عليها، ثم التوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثان، ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى يحتاج إلى شكر آخر، وهكذا أبداً فلا يقدر العباد على القيام بشكر النعم. وحقيقة الشكر الاعتراف بالعجز عن الشكر.
حكم صيام الست من شوال
صيام الست من شوال مستحب، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وهو المروي عن ابن عباس، وكعب الأحبار، وهو قول طاوس والشعبي وميمون بن مهران وابن المبارك.
واستدلوا بالأحاديث المتقدمة في فضلها مما رواه مسلم وغيره.
وقد كرهها قوم منهم: مالك وأبو حنيفة معللين ذلك بالخوف من اعتقاد فرضيتها لدى العامة، ومن قل علمه، وبأن فيها مشابهة لأهل الكتاب من حيث الزيادة على شهر الصوم المفروض.
ولا وجه لهذا فقد ثبتت السنة بصوم الست من شوال في مسلم وغيره ولو تركنا السنة خوف الزيادة على الفرض في الصوم لتركنا جميع المندوب من صوم عاشوراء وأيام البيض وغير ذلك، وقد قيل إن مالكاً كان يصومهما في خاصة نفسه، وقد كان المتأخرون من الأحناف لا يرون بصيامها بأساً.
قال ابن عبدالبر: لم يبلغ مالكاً حديث أبي أيوب على أنه حديث مدني والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه، والذي كرهه مالك قد بينه وأوضحه خشية أن يضاف إلى فرض رمضان، وأن يسبق ذلك إلى العامة، وكان متحفظاً كثير الاحتياط للدين، وأما صوم الستة الأيام على طلب الفضل وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان فإن مالكاً لا يكره ذلك إن شاء الله، لأن الصوم جنة وفضله معلوم، يدع طعامه وشرابه لله، وهو عمل بر وخير، وقد قال تعالى "وافعلوا الخير لعلكم تفلحون"، ومالك لا يجهل شيئا من هذا. صفة صومها
(1) من العلماء من استحب صومها من أو ل الشهر متتابعة، وهو مذهب الشافعي، وقول ابن المبارك.
(2) ومنهم من لم يفرق بين التتابع والتفريق من الشهر كله، وقال هما سواء، وهو مذهب الإمام أحمد، وقول وكيع.
(3) أنها لا تصام عقب الفطر مباشرة؛ لأنها أيام توسعة وأكل وشرب، وإنما يصام ثلاثة قبل أيام البيض وأيام البيض أو بعدها، وإليه ذهب معمر وعبد الرزاق.
والأمر في ذلك واسع إن شاء الله ولا تثريب على من فعل أيّاً من الأقوال الثلاثة.
صيام الست لمن عليه قضاء
في صحيح مسلم عن أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِي - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ) وظاهره أنه لا يصوم الست من شوال ولا يحصل على فضيلتها وذمته مشغولة بأيام من رمضان أفطرها فلا يستحق هذا الوصف ويتحصل على الأجر إلا من أكمل رمضان، والذي عليه قضاء لا يكون مكملاً لرمضان.
أن فضيلة صيام الست من شوال حاصلة لمن أفطر رمضان بعذر قالوا:
- إن صيام الست لها خصوصية وقضاء رمضان موسع فيه، ولا يجب أداؤه في شوال خاصة "فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ " والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي قال ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ.......... ) وهو يعلم أن ذمم كثير من الناس قد تكون مشغولة بالقضاء، ومع ذلك لم يشترط في الحديث بأن يقضي أولاً ما عليه.
وعلى هذا فمن كانت ذمته مشغولة بقضاء أيام أفطرها بعذر من رمضان يتسع لها شوال مع صيام الست؛ فهذا يستعين الله، ويشمر لأمر ربه، ويقضي ما عليه، ثم يصوم الست، إبراءً لذمته وتحصيلاً للأجر.
ومن كانت ذمته مشغولة بقضاء أيام أفطرها لعذر، ولا يتسع شوال لصيامها مع الست، فهذا ممن حبسه العذر، فيصوم الست أولاً تحصيلاً لفضلها، ثم يقضي؛ فإنه لم يفطر رمضان إلا لعذر، والأدلة كثيرة على تحصيل المعذور للأجر الكامل طالما حبسه عذر كما في الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: ( إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: ( وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ ).
صيام الست في غير شوال
صيام الست لها اختصاص بشوال من طريقين:
أحدهما: أن المراد به الرفق بالمكلف؛ لأنه حديث عهد بالصوم فيكون أسهل عليه، ففي ذكر شوال تنبيه على أن صومها في غيره أفضل، هذا الذي حكاه القرافي من المالكية وهو غريب عجيب.
الثاني: أن المقصود به المبادرة بالعمل وانتهاز الفرصة خشية الفوات، قال تعالى: " فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ "[البقرة:148]، وقال: "وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ"[آل عمران:133] وهذا تعليل طائفة من الشافعية وغيرهم. قالوا: ولا يلزم أن يعطى هذا الفضل لمن صامها في غيره لفوات مصلحة المبادرة والمسارعة المحبوبة لله.
قالوا: وظاهر الحديث مع هذا القول.ومن ساعده الظاهر فقوله أولى.
ولا ريب أنه لا يمكن إلغاء خصوصية شوال وإلا لم يكن لذكره فائدة.
وقال آخرون: لما كان صوم رمضان لا بد أن يقع فيه نوع تقصير وتفريط وهضم من حقه وواجبه ندب إلى صوم ستة أيام من شوال جابرة له ومسددة لخلل ما عساه أن يقع فيه؛ فجرت هذه الأيام مجرى سنن الصلوات التي يتنفل بها بعدها جابرة ومكملة وعلى هذا تظهر فائدة اختصاصها بشوال والله أعلم(3).
تنبيهات
- اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية عيداً، كثامن شوال الذي يسميه بعض العامة ( عيد الأبرار ) هو من البدع الباطلة المنكرة التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها، فإن أعياد المسلمين اثنان لا ثالث لهما.
بعض الناس انه إذا صام الست من شوال في السنة يظن أنه يجب عليه الصيام في كل سنة، وهذا غير صحيح فالأمر بالخيار وفي الأثر ( الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ)(4).
هناك أحاديث شوالية مشتهرة لا تصح منها:
"من صام رمضان وشوالا والأربعاء والخميس دخل الجنة".رواه أحمد وفيه من لم يسم .
- "من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". رواه الطبراني في الأوسط وفيه مسلمة بن علي الخشني وهو ضعيف.
يكون في رمضان صوت وفي شوال معمعة وفي ذي القعدة تتحارب القبائل وفي ذي الحجة يلتهب الحاج وفي المحرم ينادي مناد من السماء: ألا إن صفوة الله تعالى من خلقه فلان فاسمعوا له وأطيعوا".
رواه أبو نعيم - عن شهر بن حوشب مرسلاً انظر المنار المنيف و كتاب واللآلئ المصنوعة للسيوطي.
اللهم تقبل منا صومنا وقيامنا إنك أنت السميع العليم، اللهم اغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم اهدنا إلى سواء السبيل، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم احشرنا مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، اللهم وفقنا لصيام رمضان وقيامه اللهم ارزقنا فيه الخير.



(1)- رواه مسلم ج2/ص822/ح1164.و الترمذي ج3/ص133/ح759. و ابن ماجه ج1/ص547/ح1715، و أبو داود ج2/ص324/ح2433
(2)- أخرجه ابن خزيمة في صحيحه ج3/ص298/ح2115 و النسائي في سننه الكبرى ج2/ص163/ح2860، ج2/ص163/ح2861.و البيهقي في سننه الكبرى ج4/ص293/ح8216. و الدارمي في سننه ج2/ص35/ح1755.وصححه الألباني.
(3)- حاشية ابن القيم على سنن أبي داود.
(4)- أحمد والترمذي والحاكم عن أم هانئ.
كان يحيى بن خالد يقول لولده: اكتبوا أحسن ما تسمعون، واحفظوا أحسن ما تكتبون، وتحدّثوا بأحسن ما تحفظون.







المشاركات الشائعة