قال ابن تيمية رحمه الله: ( إن اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، لأن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بالعربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ).
مقاطع اليويتوب النقي الجديدة  

الثلاثاء، 31 أغسطس 2010

شهر الصيام تصرمت أيامه - منتدى الفصيح


للشاعر أبو أسامة زيد الأنصاري
شهـر الصيـام تصرمـت أيامُـه
وتقوضـت أوتاده وخيامُـه

فبكت قـلوب الصالـحين وودعت
شهرًا يلـذ صيـامه وقيامـه

وتفطــرت أكـبادهم لفـراقـه
حتى كـأن ختـامَه آلامُـه

ومضـى بأعمـال العبـاد لربـهم
فأظلهم برجائهم إكرامُـه

يتلـون آيـات الكتـاب بلـيلـه
حتى تبدد بالقيـام ظلامُـه

والعبـدُ مهـما زاد في إخـلاصـه
لم تنقـضِ آمالـه ومرامـه

هانت عليه في سبيل صيامه
شهواته وشرابه وطعامه

ومضى يكابد ليله ونهاره
وقد استنار حلاله وحرامه

ولقد شرُفـتَ على الشهور جمـيعها
فالعام مأمـوم وأنت إمامه

كالغـيث أحيى الأرض بعـد مواتها
ثم انجلى بعد الحياةِ غمـامه

الخمسـةُ الأركـانِ في طيـاتــه
فالحجُّ فيه والزكـاةُ تمامُه

فالـحمـد لله الكـريم لفـضلـه
وعلى النبي صلاته وسلامُه

من كابد الليل الطويل مرتلاً
آياته فتفطرت أقدامه

والفضـل للرحـمن ليـس لغيـره
لا فاؤه أو ضـاده أو لامه

من يسر الذكر الحكيم بمنه
فجرى بأفواه العباد كلامه

كم فائز بالعتق من نيرانه
أو رابحٍ قد كُفرت آثامه

أو خاسرٍ لم يبتدر أيامه
بالصالحات فعيشه أوهامه

رمضان يدركه ولم يغفر له
قد طال في هذي الحياة منامه 

الخميس، 26 أغسطس 2010


قصيدة عن رمضان المبارك 
للشاعر عبد الملك بن عواض الخديدي

إلَى السَّماءِ تجلت نَظْرَتِي وَرَنَـتْ *** وهلَّلَـتْ دَمْعَتِـي شَوَقـاً وَإيْمَانَـا
يُسَبِّحُ اللهَ قَلْبِـي خَاشِعـاً جذلاً *** وَيَمْلأُ الكَـونَ تَكْبِيـراً وسُبْحَانَـا
جُزِيتَ بالخَيْرِ منْ بَشَّرتَ مُحتَسِبًـا*** بالشَّهرِ إذْ هلَّـتِ الأفـراحُ ألْوانَـا
عَامٌ تَوَلّى فَعَـادَ الشَّهْـرُ يَطْلُبُنَـا *** كَأنَّنَا لَـمْ نَكَـنْ يَومـاً ولاَ كَانَـا
حَفَّتْ بِنَا نَفْحَةُ الإيمَـانِ فارتفعَـتْ *** حرَارَةُ الشَّوْقِ فِي الوِجْدَانِ رِضْوَانَا
يَابَاغَيَ الخَيْرِ هَذَا شَهْـرُ مَكْرُمَـةٍ *** أقْبِلْ بِصِـدْقٍ جَـزَاكَ اللهُ إحْسَانَـا
أقْبِـلْ بجُـودٍ وَلاَ تَبْخَـلْ بِنَافِلـةٍ *** واجْعَلْ جَبِينَكَ بِالسَّجْـدَاتِ عِنْوَانَـا
أعْطِ الفَرَائضَ قدْراً لا تضُـرَّ بِهَـا *** واصْدَعْ بِخَيْرٍ ورتِّـلْ فِيـهِ قُرْآنَـا
واحْفَظْ لِسَاناً إذَا مَا قُلتَ عَنْ لَغَـطٍ *** لاَ تجْرَحِ الصَّوْمَ بالألْفَـاظِ نِسْيَانَـا
وصَدِّقِ المَالَ وابذُلْ بَعْضَ أعْطِيَـةٍ *** لنْ ينْقُصَ المَالَ لَوْ أنْفقتَ إحْسَانَـا
تُمَيْرَةٌ فِـي سَبِيـلِ اللَّـهِ تُنْفِقُهَـا *** أرْوَتْ فُؤادًا مِنَ الرَّمْضَـاءِ ظَمآنَـا
وَلَيلَةُ القَـدْرِ مَـا أدْرَاكَ مَـا نِعَـمٍ *** فِي لَيْلَـةٍ قَدْرُهـا ألْـفٌ بِدُنْيَانَـا
أُوْصِيـكَ خَيْـراً بأيَّـامٍ نُسَافِرُهَـا *** فِي رِحْلةِ الصّومِ يَحْيَا القَلبُ نَشْوانَا
فَأَوَّلُ الشَّهْرِ قَـدْ أفْضَـى بِمَغْفِـرَةٍ *** بِئسَ الخَلاَئقِ إنْ لَمْ تَلْـقَ غُفْرَانَـا
وَنِصْفهُ رَحْمَـةٌ للْخَلْـقِ يَنْشُرُهَـا *** رَبُّ رَحِيْمٌ عَلَى مَنْ صَامَ حُسْبَانَـا
وَآخِرُ الشَّهْرِ عِتْقٌ مِـنْ لَهَائِبِهَـا *** سَوْدَاءُ مَا وَفَّرَتْ إنْسًـا وَشَيْطَانَـا
نَعُوذُ باللهِ مِـنْ أعْتَـابِ مَدْخَلِهَـا *** سُكْنَى لِمَنْ حَاقَ بالإسْلاَمِ عُدْوَانَـا
وَنَسْـألُ اللهَ فِـي أَسْبَـابِ جَنَّتِـهِ *** عَفْواً كَرِيمًا وَأَنْ يَرْضَـى بِلُقْيْانَـا

من موقع صيد الفوائد


قطوف رمضانية - موقع د. زيد بن محمد الرماني


الجمعة، 20 أغسطس 2010


أفضل اللطائف مما قيل في الكنافة والقطائف 
Image
خالد أحمد/ إسلام أون لاين
ليس هناك من طعـام ولا شراب اقترن اسمه بشهر رمضان أكثر من الكنـافة والقطـائف، على مر مئات السنين، ولذا وجدنا الحديـث عنهما حيا وحاضـرا في الأدب والشعر العربي على مر العصور، حتى أن الإمام جلال الدين السيـوطي كتب رسالة مهمة في الكنـافة والقطائف، سماها "منهل اللطائف في الكنافة والقطايف"، فضلا عن سباق الشعوب والبلدان حول من كان له قصب السبـق في اختراعها والوصـول إليها قبل غيره، وكان من أهـم هذا السجالات التاريخية، ما يحدث دوما بين المصريين والشوام.
فالشوام يقولون إن صانعي الحلويات في الشام هم من اخترعوا الكنافة، وابتكروها وقدموها خصيصًا إلى معاوية بن أبي سفيان هي والقطائف، حينما كان والياً على الشام، وقيل إن معاوية كان أول من صنع الكنافة من العرب، حتى أن اسمها ارتبط به فقالوا "كنافة معاوية" و"زينة موائد الملوك"، فقد كان يحب الأكل، فشكا إلى طبيبه ما يلقاه من جوع في الصيام، فوصف له الطبيب الكنافة التي كان يتناولها في فترة السحور حتى تمنع عنه الجوع في نهار شهر رمضان.
لكن هذه الروايات تصدى لها الأستاذ محمد سيد كيـلاني، المحقق البارز في الأدب والتاريخ في أربعينات وخمسينيات القرن الماضي، في دراسة بديعة بعنوان "شهر الكنـافة والقطائف" نشرها في مجلة الرسالة الشهيرة في عددها رقم 888 في عام 1950، قال فيها: "لفظ الكنافة لم يذكره أحد من أئمة اللغة، ولا نجد في الألفـاظ اللغوية ما يصلح أن يكون مادة لها، فلعلها كلمة يونانية، وروى السيوطي عن ابن فضل الله العمري صاحب (مسالك الإبصار) أنه قال: "كان معاوية يجوع في رمضان جوعا شديدا فشكا ذلك إلى محمد بن آثال الطبيب فاتخذ له الكنافة فكان يأكلها في السحر فهو أول من اتخذها"
وأضاف كيلاني بأن "هذا الخبر يشك في صحته، وذلك لأن المؤرخين المتقدمين لم يشيروا إليه، ولم يذكر لنا ابن فضل الله المصدر الذي نقل عنه، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الكنافة ليست الطعام الوحيد الذي يدفع به الجوع، هى ليست علاجا حتى يصفه الطبيب بن آثال، وكان من الممكن أن يقوم الرقاق مقامها ويسد مسدها، فما رواه بن فضل في هذا يجب أن يوضع موضع الشك".
واعتبر أنه "لو عرفت الكنافة منذ عصر معاوية لذكرها الشعراء فيما ذكروا من أطعمة، فقد رأينا الشعراء حتى العصر العباسي الثاني يذكرون القطائف وغيرها من الأطعمة، ولم نر في شعرهم أثرا للكنافة، وهذا دليل واضح على أنهم لم يروها أو يسمعوا بها".
هيام الشعراء بالكنافة
ويؤكد سيد كيلاني في دراسته  أنه "لاحظ أن الشعراء المصريين كانوا أول من ذكر الكنافة في أشعارهم، وأول من تغنى بها، ومن بين هذا أبو الحسن الجزار المصري إذ يقول:
سقى الله أكناف الكنافة بالقطر     وجاد وليها سكر دائم الدر
وتبا لأوقات المخلل إنها           تمر بلا نفع وتحسب من عمري
وأوضح الكيلاني أننا "نلحظ من البيتين السابقين نفسية الشاعر "متبرمة ساخطة على أوقات الفقر والضيق التي لا يأكل فيها سوى المخلل، وفي ذكره كلمة "تبا" ما يدل على حالة نفسية خاصة. أما البيت الأول فهو دعاء للكنافة بسقيا بماء الورد والسكر، نستشف منه الجوع والحرمان.
وكان الشعراء يتغزلون في الكنـافة ويصفون محاسنها وجمالها، ويتمنون دوام وصالها، ويتألمون لهجرها وفراقها، ويشكون صدها وإعراضها، ومثال ذلك قول الجزار المتقدم:
ومالي أرى وجه الكنافة مُغضباً.. ولولا رضاها لم أرد رمضانها
عجبت لها من رقة كيف أظهرت.. عليّ قد صد عني جناحها
تُرى اتهمتنى بالقطايف فاغتدت..  تصُدُ اعتقاداً أن قلبي خانهــا
ومُذ قاطعتني ما سمعت كلامها..  لأن لسانى لم يُخاطب لسانهـا
فالشاعر هنا يصور افتقاره إلى هذا الصنف من الأطعمة في صورة مضحكة، فقد صور الكنافة وهى معرضة عنه ثم تساءل عن السر في هذه القطيعة، وذلك الإعراض أكان ذلك لأنها اتهمته بحب القطائف والجرى ورائها فاعتبرته خائنا لها مجردا من الوفاء، ويذكر أنه على عهده في حبه وإخلاصه لها. وهذا شاعر آخر يذكر ليالي الكنافة في عمره بالخير فيقول:
ولم أنس ليلات الكنافة قطرها   هو الحلو إلا أنه الحب الغر
تجود بها كفي فاهتز فرحة     كما انتفض العصفور بلله القطر

مقارنة بين الكنافة والقطائف
الطريف أن هناك من وازن بين الكنافة والقطائف، وفضل الأولى عن الأخيرة، ومنهم من أظهر الكنافة بمظهر الساخر من القطائف المحتقر لها، ومثال ذلك قول ابن حنين:
 غدت الكنافة بالقطائف تسخر..  وتقول إني بالفضيلة أجدر
طويت محاسنها لنشر محاسني..  كم بين من يطوى وآخر ينشر
لحلاوتي تبدو، وتلك خفية..     وكذا الحلاوة في البوادي أشهر

أصل القطائف
بعض المؤرخين يرجع أصل تسمية القطائف بهذا الاسم "لتشابه ملمسها مع ملمس قماش القطيفة (المخمل)، وقيل أيضا إنه عندما قدمت إبان العصر المملوكي اتخذت هذا الاسم، وذلك حين قدمت كفطيرة محشوة ليقطـفها الضيوف فلقبت فطيرة القطف، ثم تحول الاسم عن طريق دخول العامية فتحولت إلى "قطايف".
لكن سيد كيلاني اعتبر أنها "عرفت منذ العصر العباسي، وجاء ذكرها في شعر ابن الرومي وغيره، ومنهم من شبهها بحقاق من العـاج، ومنهم من شبهها وقد رصت في الأطباق بالمصلين الذين يسجدون وراء الإمام، وفي هذا قال الشاعر:
لله در قطائف محشوة.. من فستق دعت النواظر واليدا
شبهتها لما بدت في صحنها.. بحقاق عاج قد حشين زبرجدا
وقال شاعر آخر أيضا في القطايف:
أقـول وقـد جـاء الغـلاء بصحنـه.. عقيب طعام الفطر يـا غايـة المنـى
بحقك قل لي جـاء صحـن قطائـف.. وبح باسم من أهوى ودعني من الكنى 

الخميس، 19 أغسطس 2010

فطر صائما ونل الأجر



عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا". وفي الدعاء المأثور لمن أكلت عنده: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: أَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ: "أَفْطَرَ عِنْدَكُم الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ". 

الأربعاء، 18 أغسطس 2010


من فضائل شهر رمضان
 · عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا جاء رمضان فُتِّحت أبواب الجنة وغُلِّقت أبواب النار وصُفِّدت الشياطين" متفق عليه.
 · وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان" مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" رواه مسلم.
 · وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب من ريح المسك، للصائم فرحتان: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه) رواه البخاري.
· عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربي منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه؛ ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال فيشفعان) رواه أحمد والطبراني في الكبير.
ومن فضائل شهر رمضان أنه:
· شهر القرآن: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) البقرة185.
· ليلة القدر: (ليلة القدر خير من ألف شهر) القدر3.
· لذلك ينبغي على كل حريص ألا يضيع العشر الأواخر من رمضان في شيء سوى التقرب إلى الله وذكره وعبادته، فإحدى تلك العشر هي ليلة القدر.
· عمرة رمضان: من استطاع العمرة في رمضان فليعزم عليها، لقوله صلى الله عليه وسلم (عمرة في رمضان كحجة معي).
· شهر الجود: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ـ أي أكرم الناس ـ وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) متفق عليه.
· وأجود ما ينبغي أن يكون المرء مع نفسه بأن يكثر من الطاعات، ومع أهله بحسن الخلق وصلة الأرحام والعفو عن المسيء، ومع الناس برد السيئة بالحسنة، فهذا هو الجود وليس فقط بالتصدق بالأموال والبخل بالأخلاق.
· شهر الطاعات: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين) متفق عليه. ولكن نزوات النفس وشهواتها وشياطين الإنس يجتهدون في ليالي رمضان ويزدادون في الأسواق وأماكن اللهو، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد عند الله أسواقها). فقد خسر من ضيع ليالي رمضان بين لهو ولغو وتسكع في الأسواق، وبيوت الله مفتوحة والصلوات قائمة والعباد يُنَمُّون تجارتهم مع الله.
· وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله:... ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له).

السبت، 14 أغسطس 2010

الاستغفار للمؤمنين






الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فإن الله تعالى أوجب علينا موالاة المؤمنين، ومن مظاهر هذه الموالاة التي فرضها الله: الاستغفار لهم، وهذه نقاط حول ذلك.
 
الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات:

قال تعالى: }فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ{[محمد/19].
وقال: }فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ { [آل عمران/159].
وقال: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{ [الممتحنة :12].
وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بذلك خير قيام، ومما يبين ذلك أحاديث كثيرة أجتزئ منها اثنين:
عن أبي بكر الصديق  رضي الله عنه  أنه قال: يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية: }ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به{ [النساء/123]. وكل شيء عملناه جزينا به؟ فقال: «غفر الله لك يا أبا بكر! ألست تمرض؟ ألست تحزن؟ ألست يصيبك اللأواء»؟ قال: بلى. قال: «هو ما تجزون به» رواه ابن حبان.
وفي الصحيحين قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا الله».
 
الحض على طلب الاستغفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم:

قال تعالى: }وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا{[النساء/64].
قال ابن كثير رحمه الله: "يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيستغفروا الله عنده، ويسألوه أن يستغفر لهم؛ فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم، ولهذا قال: }لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا{"([1]).
 
الأنبياء يستغفرون للمؤمنين:

ذكر الله تعالى عن نوح عليه السلام قوله: }رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَارًا{ [نوح/28].
وعن إبراهيم عليه السلام: }رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ{ [إبراهيم/41].
 
الملائكة تستغفر للمؤمنين:

قال تعالى: }الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ{ [غافر/7].
وقال: }وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ [الشورى/5].
وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ، وَالْمَلَائِكَةُ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَارْحَمْهُ. مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ يُحْدِثْ» رواه البخاري ومسلم.
 
استغفار المؤمنين للصحابة:

قال تعالى: }وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ{ [الحشر/10].
 
الاستغفار لمن نعي إليك:

ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  رضي الله عنه  قال: نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُم».
 
الاستغفار للميت في صلاة الجنازة:

ثبت في صحيح مسلم عن عوف بن مَالِكٍ  رضي الله عنه  قال: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَنَازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ، وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وعَذَابِ النَّارِ» قَالَ: حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْمَيِّتَ.
 
الاستغفار للمؤمن بعد دفنه:

عن عثمان بن عفان  رضي الله عنه  قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ؛ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» رواه أبو داود.
 
الاستغفار للأموات:

قال جبريل لنبينا صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ» رواه مسلم.
وقد قال ربنا: }لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا{ [الأحزاب/21].
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شَقَّ بصرُه، فأغمضه، ثم قال: «إن الروح إذا قبض تبعه البصر». فضجَّ ناس من أهله، فقال: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ»، ثم قال: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ» رواه مسلم.
وأولى الأموات باستغفارك والداك، فقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاستغفار لهما بقوله: «إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ» رواه أحمد وابن ماجة.
 
التجاوز عن الصالحين والاستغفار لهم:

قال ربيعة الأسلمي في قصة زواجه: "... إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي أَرْضًا وَأَعْطَانِي أَبُو بَكْرٍ أَرْضًا، وَجَاءَتْ الدُّنْيَا فَاخْتَلَفْنَا فِي عِذْقِ نَخْلَةٍ، فَقُلْتُ: هِيَ فِي حَدِّي. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هِيَ فِي حَدِّي. فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ كَلَامٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ كَلِمَةً كَرِهَهَا وَنَدِمَ. فَقَالَ لِي: يَا رَبِيعَةُ رُدَّ عَلَيَّ مِثْلَهَا؛ حَتَّى تَكُونَ قِصَاصًا. فقُلْتُ: لَا أَفْعَلُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَتَقُولَنَّ أَوْ لَأَسْتَعْدِيَنَّ عَلَيْكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ. وَرَفَضَ الْأَرْضَ، وَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْطَلَقْتُ أَتْلُوهُ، فَجَاءَ نَاسٌ مِنْ أَسْلَمَ فَقَالُوا لِي: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، فِي أَيِّ شَيْءٍ يَسْتَعْدِي عَلَيْكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَالَ لَكَ مَا قَالَ!؟ فَقُلْتُ: أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟ هَذَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، هَذَا ثَانِيَ اثْنَيْنِ، وَهَذَا ذُو شَيْبَةِ الْمُسْلِمِينَ، إِيَّاكُمْ لَا يَلْتَفِتُ فَيَرَاكُمْ تَنْصُرُونِي عَلَيْهِ فَيَغْضَبَ، فَيَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَغْضَبَ لِغَضَبِهِ، فَيَغْضَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِغَضَبِهِمَا، فَيُهْلِكَ رَبِيعَةَ. قَالُوا: مَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: ارْجِعُوا. قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَبِعْتُهُ وَحْدِي، حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَهُ الْحَدِيثَ كَمَا كَانَ، فَرَفَعَ إِلَيَّ رَأْسَهُ فَقَالَ: «يَا رَبِيعَةُ مَا لَكَ وَلِلصِّدِّيقِ»؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ كَذَا كَانَ كَذَا قَالَ لِي كَلِمَةً كَرِهَهَا، فَقَالَ لِي: قُلْ كَمَا قُلْتُ حَتَّى يَكُونَ قِصَاصًا، فَأَبَيْتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَجَلْ، فَلَا تَرُدَّ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ قُلْ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ». فَقُلْتُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ. قَالَ الْحَسَنُ: فَوَلَّى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَبْكِي.
 
طلب الاستغفار من مجابي الدعوة:

ثبت في صحيح مسلم أنّ عُمَر بْن! الْخَطَّابِ  رضي الله عنه  كان إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ.
قَالَ: نَعَمْ.  قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟  قَالَ: نَعَمْ.  قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.  قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟  قَالَ: نَعَمْ.  قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ».  فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ.  فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟   قَالَ: الْكُوفَةَ.  قَالَ: أَلَا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا؟  قَالَ: أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ.
قَالَ فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، فَوَافَقَ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ، قَالَ: تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ قَلِيلَ الْمَتَاعِ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ... فأخبره بالحديث.  فَأَتَى الرجل أُوَيْسًا فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي.   قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي.  قَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي.   قَالَ أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي.  قَالَ: لَقِيتَ عُمَرَ؟  قَالَ: نَعَمْ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ.  فَفَطَنَ لَهُ النَّاسُ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ.
 
طلب الاستغفار من المظلوم للتحلل منه:

عن أنس بن مالك  رضي الله عنه  قال: كانت العرب تخدم بعضها بعضاً في الأسفار، و كان مع أبي بكر و عمر رجل يخدُمهما، فناما، فاستيقظا، و لم يهيئ لهما طعاما، فقال أحدهما لصاحبه: إن هذا ليوائم نوم بيتكم، فأيقظاه فقالا: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له: إن أبا بكر و عمر يقرئانك السلام، وهما يستأدمانك. فقال: «أقرئهما السلام، وأخبرهما أنهما قد ائتدما»، ففزعا، فجاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله بعثنا إليك نستأدمك، فقلت: «قد ائتدما». فبأي شيء ائتدمنا؟ قال: «بلحم أخيكما، والذي نفسـي بيده إني لأرى لحمه بين أنيابكما»، يعني لحم الذي استغاباه. قالا: فاستغفر لنا. قال: «هو فليستغفر لكما» أخرجه الضياء المقدسِي في المختارة.
 
الترغيب في الاستغفار للمؤمنين:

عن عبادة بن الصامت  رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استغفر للمؤمنين وللمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة» رواه الطبراني.
وباستغفارك للمؤمنين تستغفر لك الملائكة؛ لحديث مسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ».
 
ماذا تقول لمن استغفر لك؟

روى الترمذي في الشمائل، عن عبد الله بن سرجس  رضي الله عنه  قال:  أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ناس من أصحابه، فدرت هكذا من خلفه، فعرف الذي أريد فألقى الرداء عن ظهره، فرأيت موضع الخاتم على كتفيه، فرجعت حتى استقبلته فقلت: غفر الله لك يا رسول الله. فقال: «ولك».
 
حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة!

ففي القرآن الكريم دعوةُ موسى عليه السلام لأخيه:} رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ { [الأعراف :151].
ففيها: أن من أراد أن يستغفر أو يدعو لإخوانه فإنه يبدأ بنفسه.
رب اغفر لي، ولوالدي، ولمن قرأها، ونشرها، وسعى في شيء منها، وللمؤمنين والمؤمنات.
وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
 
-----------------------------
[1] / تفسير ابن كثير (2/347).
د. مهران ماهر عثمان

من موقع صيد الفوائد
http://www.saaid.net/

الثلاثاء، 10 أغسطس 2010

مبارك عليكم الشهر

إن شاء الله تعودونه
وكل سنة تصومونه
وبالمغفرة تختمونه

دروس الشيخ نواف السالم الرمضانية

يدعوكم ملتقى " الكلمة الطيبة" لحضور دروس الشيخ نواف السالم الرمضانية ومع " سير أعلام الهدى" يوميا من بعد صلاة العصر في مسجد الخليفي في ضاحية الشهداء. يوجد مكان مخصص للنساء.


لا تغادر قبل أن تترك أثرا !!


لا تغادر قبل أن تترك أثراً !!
الكاتب/أبو معاذ الحقباني
لجينيات
حتماً سنرحل .. هذه هي الحقيقة المرة التي نتغافل عنها ولا نحب ذكرها .. حياتك سنوات معدودة و تنتهي .. ولكنك تستطيع أن تجعل حسناتك مستمرة حتى بعد وفاتك سنين عديدة .... فما هو الأثر الذي تركته في دنياك لكي ينفعك الله به بعد موتك ؟؟ ..
* في الحديث ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) ومن فضل الله ومنته أن أعمال المسلم لا تنقطع بموته وخروجه من الدنيا بل هناك أعمالاً تجري حسناتها له بعد وفاته .. فبالموت تتوقف الحسنات إلا عملاً أبقيته فينفعك أجره .
* فمن هذه الأعمال التي يبقى لك أجرها بعد رحيلك ؛ ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره وولدا صالحا تركه ومصحفا ورثه ومسجدا بناه وبيتا لابن السبيل بناه أو نهرا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته ) . فالمشاركة في بناء المساجد وصيانتها و طباعة المصاحف والكتب العلمية ، و حفر الآبار و تسبيل المياه والبرادات و الأوقاف الخيرية للأيتام و الفقراء ودعوة غير المسلمين كلها مما تزيد رصيدك و أنت في قبرك .
* وليست هذه الأعمال خاصة بذوي الأموال فقط ، ففي الحديث ( سبق درهم مائة ألف درهم ) فهناك أعمال تبقى لك نفعها بدون إنفاق الكثير من الأموال : كنشر العلم و تدريس القرآن للأولاد و تربيتهم و العناية بهم ليتصل دعاؤهم له ، ودلالة الناس على الخير ، وتوزيع المطويات ، والإصلاح بين الناس، و نشر الرسائل المفيدة عبر الجوال أو البريد الالكتروني . وتصميم المواقع المفيدة و نشرها . وغيرها الكثير . فهذه كلها تجري كالنهر الجاري، لا يتوقف ولا ينقطع ثوابها .
* قال تعالى : {إنا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيءٍ أحصيناه في إمام مبين } قال السعدي رحمه الله : { وآثارهم } هي آثار الخير وآثار الشر ، التي كانوا هم السبب في إيجادها في حال حياتهم وبعد وفاتهم .
* كما أن الصلاح في النفس يدخلك في دعاء الملائكة لك و دعاء المسلمين في كل صلاة .
* و أخيراً : كما أنك حريص على الصدقة الجارية فاحذر من السيئة الجارية ؛ تنشر منكراً فيبقى عند الناس بعد وفاتك و عليك وزره .
* تخيل أنك ميت والآن أنت في قبرك !!, ألا تحب أن يكون لك أثراً في هذه الحياة؟! فضع هذا الأثر قبل الرحيل ..

الاثنين، 9 أغسطس 2010

برنامج رمضان لمسجد الحميدة- مشرف، دولة الكويت

الشكر لمدونة بوفوزي اضغط على الرابط

ماذا لو زارك ضيف متدين؟



               لو زارك ضيف متدين


بقلم الدكتور مصطفى محمود - رحمه الله.

ماذا تفعل لو زارك ضيف متدين فى بيتك؟ ..ربما لا تكون أنت متدينا بالمعنى المتعارف عليه فى مجتمعنا...ربما تكون غير ملتزم بالصلاة فى المسجد..أو صيام النوافل..بل ربما لا تكون لك أية علاقة بالدين على الإطلاق وربما لم تصم أو تصل منذ سنوات...بل ربما تكون لك ديانة أخري غير ديانة هذا الضيف المتدين ولك رؤية أخرى فى الحياة قد تتعارض مع منهج حياة هذا الضيف.

كل هذا لا يهم!..لأن ذلك لن يثنيك عن إكرام الضيف ومحاولة عدم جرح مشاعره أو معتقداته، على الأقل فى الفترة التى سيزورك فيها..ستحاول أن تجعل زيارته سهلة عليه وعليك وستحاول أن تبحث عن أرضية مشتركة للحديث وقضاء الوقت معه.

لا يهم كم المشاكل التى تعكر صفو حياتك فكل الضغوط النفسية لن تمنعك أن تبتسم فى وجهه...ولا يهم حجم الديون التى ربما تكون غارقا فيها فهى لن تمنعك من تقديم واجب الضيافة ولو بكوب من الشاي...المحصلة أنك ستقدم للضيف ما يرضيه هو..من وجهة نظره هو وليس ما يرضيك أنت...وحتى إذا كنت لا تريد أن تكرمه فأضعف الإيمان أن لا تؤذي مشاعره بأشياء تتعارض مع قيمه ومبادئه حتى إذا كنت لا تشاركه هذه القيم...فإكرام الضيف واجب.

الغير معقول والذي قد تعتقد أنه جنون هو موقف أحد أصدقائي الغير متدينين حين زاره شيخ متدين فى بيته ... فما أن دخل ذلك الشيخ بيت صديقي حتى قام صديقي وقال للشيخ : "سأثبت لك أنى احتفل بقدومك وزيارتك الطاهرة .. فقط أعطني دقيقة" .. ابتسم الشيخ الأسمر الذي يشع وجهه نورا وقد جلس فى غرفة الضيوف مسبحاً ... ولكن ابتسامة الشيخ الرقيقة ما لبثت أن تحولت لفم مفتوح (على البحري) من الذهول ... فلقد رأى صديقي يدخل عليه وفى يده زجاجة من الخمر ويحمل على كتفه سماعات ضخمة تخرج منها موسيقى صاخبة لفرقة من فرق عبدة الشيطان .. ووقف صديقي فى منتصف الغرفة يرقص احتفالا بزيارة الشيخ ثم مال على الشيخ قائلا : (هلت) أنوارك...تشرب بيرة ولا ويسكي يا شيخ إن شاء الله؟

الشيخ هو شهر رمضان وصديقي الغير متدين هو الإعلام العربي الذي نحسن به الظن معتبرين أنه أراد أن يحتفل بقدوم شهر رمضان المبارك (بغشامة) فوضعنا جميعا فى موقف لا نحسد عليه.

تتسابق القنوات الإعلامية فى ماراثون من الفوازير والمسلسلات والبرامج ذات الإنتاج الضخم ... ولا أدري ما علاقة رمضان الذي هو شهر روحاني له وضع خاص فى العقيدة الإسلامية بالإنتاج الفنى والدرامي والترفيهي وبرامج قصص (كفاح) الفنانين .. ليكون السؤال المنطقي الوحيد الذي يمكن طرحه أمام هذا التناقض هو:(إيه اللى جاب القلعة جنب البحر)!..

لماذا لا يحترم الإعلام العربي رمضان ... لماذا يتحول رمضان إلى شهر ترفيهى بدلا من شهر روحاني؟ .. لست شيخا ولا داعية ... ولكني أفهم الآن لماذا كانت والدتى تدير التلفاز ليواجه الحائط طوال شهر رمضان ... كنت طفلا صغيرا ناقما على أمي التى منعتني واخوتى من مشاهدة فوازير (شريهان) بينما يتابعها كل أصدقائي .. ولم يشف غليلى إجابة والدتي المقتضبة "رمضان شهر عبادة مش فوازير". لم أكن أفهم منطق أمى الذي كنت كطفل أعتبره تشددا فى الدين لا فائدة منه .. فكيف سيؤثر مشاهدة طفل صغير لفوازير على شهر رمضان؟

مرت السنوات وأخذتني دوامة الحياة وغطى ضجيج معارك الدراسة والعمل على همسة سؤالي الطفولى حتى أراد الله أن تأتيني الإجابة على هذا السؤال من رجل مسن غير متعلم فى الركن الآخر من الكرة الأرضية ... كان ذلك الرجل هو عامل أمريكي فى محطة بنزين اعتدت دخولها لشراء قهوة أثناء ملء السيارة بالوقود فى طريق عملى ... و فى اليوم الذي يسبق يوم الكريسماس دخلت لشراء القهوة كعادتى فإذا بى أجد ذلك الرجل منهمكا فى وضع (أقفال) على ثلاجة الخمور... وعندما عاد للـ(كاشير) لمحاسبتي على القهوة سألته وكنت حديث عهد بقوانين أمريكا : "لماذا تضع أقفالا على هذه الثلاجة" .. فأجابنى :"هذه ثلاجة الخمور وقوانين الولاية تمنع بيع الخمور فى ليلة ويوم الكريسماس يوم ميلاد المسيح"... نظرت إليه مندهشا قائلا : أليست أمريكا دولة علمانية .. لماذا تتدخل الدولة فى شئ مثل ذلك؟ .. فقال الرجل :"الإحترام.. يجب على الجميع احترام ميلاد المسيح وعدم شرب الخمر فى ذلك اليوم حتى وإن لم تكن متدينا .. إذا فقد المجتمع الاحترام فقدنا كل شئ".

الاحترام ... ظلت هذه الكلمة تدور فى عقلى لايام وأيام بعد هذه الليلة ... فالخمر غير محرم عند كثير من المذاهب المسيحية فى أمريكا .. ولكن المسألة ليست مسألة حلال أو حرام .. انها مسألة احترام ... فهم ينظرون للكريسماس كضيف يزورهم كل سنة ليذكرهم بميلاد المسيح عليه السلام .. وليس من الاحترام السكر فى معية ذلك الضيف ... فلتسكر ولتعربد فى يوم آخر إذا كان ذلك أسلوب حياتك ... أنت حر ... ولكن فى هذا اليوم سيحترم الجميع هذا الضيف وستضع الدولة قانونا يفرض الإحترام فيمنع بيع الخمر ذلك اليوم.
وحتى إذا كنت مسلما أو يهوديا أو حتى ملحدا فى أمريكا فلن يمكنك شراء خمور فى هذا اليوم حتى وإن كنت لا تؤمن بأهميته ولا بقدسيته ... فبغض النظر عن عقيدتك وتدينك فستجبر على احترام ذلك اليوم.

هكذا أرادت أمي أن تعلمني (احترام) رمضان منذ نعومة أظفاري .. فلتشاهد الفوازير والمسلسلات والأفلام كما تحب طوال العام إذا كان ذلك يتناسب مع معتقداتك وأخلاقك .. ولكن فى رمضان ستظهر احترامك لهذا (الضيف) الشهر سواء كنت متدينا أم لا.

بالنسبة لى لم تعد القضية فى رمضان قضية هل المسلسلات والأفلام والبرامج الحوارية حلال أم حرام ... وليست القضية قضية هل تفسد الفوازير والأغاني المصورة صيامك أم لا ... القضية أن الباب سيدق عما قريب ليدخل ضيف كريم بيت كل واحد منا ... المتدين وغير المتدين .. الإسلامي والعلماني ...
المسلم والمسيحي ... وسيكون عليك بغض النظر عن أفكارك أو أسلوب حياتك أو مدى تدينك أن تظهر لهذا الضيف ... الكثير من الاحترام.

الخميس، 5 أغسطس 2010

قـــلـــوب الصـــــــائــميـــن

بســم اللـه الــرحـمــن الــرحــيـم

قـــلـــوب الصـــــــائــميـــن

فــضــيلــة الشـيـخ سـعــد بـن نـاصــر الشــثـري

تـــدبــّر القـــــــــــــرآن
الحمد لله الذي أنزل القرآن شفاء لما في الصدور .. وهدى وموعظة للمتقين .. وأشهد أن لا إله إلا الله كلامه صدق وحق مبين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله و أصحابه وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد ..
فإن من عبادات قلوب المؤمنين، تدبر القرآن، وخصوصاً في شهر رمضان، قال تعالى( شهرُ رَمَضَان الّذي أُنزِلَ فِيهِ القُرآن هُدىً لِلنّاسِ وَبيّناتٍ من الهُدَى والفُرقَان).
ومن أعظم القُربات، وأعظم المواعظ، وأفضل أسباب حياة القلوب .. تدبر القرآن، والتفكّر في قصصه ومواعظه، وحججه وبيّناته وأدلّته ( لَو أنزَلنَا هَذَا القُرآنَ عَلَى جَبَل ٍلَرَأيتَهُ خَاشِعَاً مُتَصَدِّعَاً مِن خَشيَةِ الله ).
أيها المؤمن .. اسمع ربك وخالقك المتصرف في الكون يقول ( وكَم أهلَكنَا قَبلَهُم مِن قَرن ٍهُم أشدُّ مِنهُم بَطَشَا فَنَقّبُوا فِي البلادِ هَل مِن مَحِيص إنَّ في ذَلِكَ لَذكرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أو ألقَى السَمعَ وَهُوَ شَهِيد).
قال ابن القيّم رحمه الله في تفسير هذه الآية :{ الناس ثلاثة رجال: رجل قلبه ميت، فذلك الذي لا قلب له، فليست هذه الآية ذكرى في حقّه، وهو بمنزلة الأعمى الذي لا يبصر. والثاني رجل له قلبه حي مستعد، لكنه غير مستمع للآيات المتلّوه التي يخبر الله بها عن الآيات المشهودة، إما لعدم ورودها إليه، أو لوصولها إليه وقلبه مشغول عنها بغيرها، فهذا أيضاً لا تحصل له الذكرى، مع استعداده ووجود قلبه، فهو بمنزلة البصير الذي يشاهد جهة غير الجهة التي يستفيد من النظر إليها والثالث رجل قلبه حي، حي القلب، مستعد، تُليت عليه الآيات، فأصغى بسمعه وألقى السمع وأحضر القلب، ولم يشتغل بغيره، فهو شاهد القلب، مُلقى السمع، فهذا الذي ينتفع بالآيات المتلُوة والمشهودة }.
فمن كان له قلب وقّاد، يستخرج العبر ويتفهّم المعاني من الكتاب العزيز، فهذا الذي يكون للآيات القرآنية نور في قلبه وهؤلاء هم أكمل خلق الله، وأعظمهم إيماناً وبصيرة.
وقال تعالى(أفلا يَتَدَبّرُونَ القُرآن أم عَلَى قُلُوبٍ أقفَالُهَا ) وهذا إنكار على من يعرض عن تدبر القرآن ، وقال (أفَلا يَتَدَبّرُونَ القُرآن ولَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدُوا فيهِ اختِلافَاً كَثيرَا).
وقال ( أفَلَم يَدبّرُوا القَولَ أم جَاءَهُم مَا لَم يَأتِي آبَاءَهُمُ الأوَلِين) وقال ( كِتَابٌ أنزلنَاهُ إليكَ مُبَارَكٌ لِيَدَبّرُوا آيَاتِهِ ولِيَتَذَكَّرَ أولُوا الألبَاب).
وقد ذم الله جلَّ وعلا المعرض عن هذا القرآن، بما يشمل المعرض عن تدبّره، قال تعالى(ومَن أظلَمُ مِمّن ذُكِّرَ بِآياتِ رَبّهِ فَأعرَضَ عَنهَا ) وقال( ومَن أظلَمُ مِمّن ذُكّرَ بآياتِ رَبّهِ ثُمَُّ أعرَضَ عنها) .
ومن لم يشتغل بتدبّر آيات هذا القرآن العظيم، أي لم يشتغل بتفهّمها وإدراك معانيها والعمل بها، فإنه معرض عنها، غير متدبر لها، فيستحق الإنكار والتوبيخ المذكورة في هذه الآيات.
وترك تدبر القرآن من أنواع هجر القرآن الداخل في قول الله تعالى( وَقَالَ الرَسُولَ يَا رَبّي إنّ قَومِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرآنَ مَهجُورا).
قال العلّامة الشنقيطي:{ الحق الذي لا شك فيه ، أن كل من له قدرة من المسلمين ، على التعلم والتفهم وإدراك معاني الكتاب والسنّة ، يجب عليه تعلمهما ، والعمل بما علم منهما }.
إن من أعظم ما يدعو الإنسان إلى التدبر في كتاب الله، ما احتواه هذا الكتاب من الخير العظيم، قال تعالى ( يا أيُّهَا النّاسُ قَد جَاءَكُم بُرهَانٌ مِن رَبِّكُم و أَنزَلنَا إليكُم نُورَاً مُبِينَا ) وقال ( قد جَاءَكُم مِنَ اللهِ نُورٌ وكِتَابٌ مُبِين يَهدِي بهِ اللهُ مَنِ اتّبَعَ رِضوَانَهُ سُبُلَ السّلام ويُخرِجُهُم مِنَ الظُلُمَاتِ إلى النورِ بِإذنِهِ ويَهدِيهِم إلى صِرَاطٍ مُستَقيم ) وقال ( ما كُنتَ تَدرِي مَا الكِتابُ ولا الإيِمَان ولَكَن جَعلنَاهُ نُوراً نَهدِي بِه مَن نَشَاءُ مِن عِبَادِنَا )، فإذا كان القرآن نورا .. فكيف تعمى بصيرة عاقل عن الاستضاءة بذلك النور.
ومن فضل الله علينا في عصرنا الحاضر، أن استجد لنا من وسائل التقنية وآلات الاتصال، ما يمكّن المرء من قراءة القرآن وسماعه، وتدبره في أي مكان، مما يسهّل عليه فهم القرآن وتدبره.
قال الثعالبي :{ تدبر القرآن كفيل لصاحبه بكل خير } وقال ابن سعدي :{ كتاب أنزلناه إليك مبارك ، فيه خير كثير وعلم غزير، فيه كل هدى من ضلالة، وشفاء من داء، ونور يستضاء به في الظلمات، وفيه كل حكم يحتاج إليه المكلفون، وفيه من الأدلة القطعية على كل مطلوب، ما كان به أجلَّ كتاب طرق العالم منذ أنشأه الله، ليدبروا آياته (أي هذه الحكمة من إنزاله ) ليتدبر الناس آياته فيستخرجوا علمها، ويتأملوا أسرارها وحكمها ، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة، تدرك بركته وخيره }.
وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر، أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود.
وبحسب لب الإنسان وعقله .. يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب .
وقال ابن القيم :{ فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته، من تدبر القرءان وإطالة التأمل فيه، وجمع الفكر على معاني آياته، فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما ومآل أهلهما، وتضع في يده مفاتيح كنوز السعادة، والعلوم النافعة، وتثبّت قواعد الإيمان في قلبه، وتريه أيام الله في الأمم السالفة، وتبصّره بمواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله، وتعرّفه ذاته وأسماءه وصفاته، وأفعاله وما يحبه وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه }. ومفتاح حياة القلوب، تدبر القرآن، والضراعة بالأسحار، وتوبة العبد وتركه للذنوب.
والذي يدعوا لتدبر القرءان عدد من الأمور .. منها:
أولاً: طاعة أمر الله جلَّ وعلا الذي أمر بتدبر القرءان، قال تعالى( إنّا جَعَلنَاهُ قُرءَانَاً عَرَبِيَاً لَعَلّكُم تَعقِلُون ).
وثانيها: أن تدبر القرآن، يعرف العبد بمعالم الخير والشر، وطرقهما وثمراتهما، ومآل أهلهما، وكيفية التمييز بينهما .
وثالثها: أن تدبر القرآن، يثبّت الإيمان في القلب، ويرسّخه بقواعد متينة.
ورابعها: أن تدبر القرآن، يزيد في عقل الإنسان، من خلال مطالعة عواقب الأمور، ومعرفة ما حلّ بالأمم السابقة.
وخامسها: أن بتدبر القرآن، يعرف المرء معاني أسماء الله الحسنى، ويتعرف على ما يحبه الله ويرضاه، ويستجلب بذلك رضا رب العالمين وخير الدنيا وال آخرة.
وسادسها: أن المرء بتدبر القرآن، يتمكن من تطبيق القرآن على نفسه، بل وتعرّفه صفات نفسه، ليتمكن من معالجتها بما يناسبها. وبتدبر القرآن، تزول كثير من وساوس الشياطين، ويتمكن المرء من صد هذا العدو عنه.
وأما الوسائل المعينة على تدبر القرآن ..فترتيل القرآن ، وحسن قراءته، واختيار الأوقات المناسبة لقراءته، وتفريغ القلب من المشكلات وقت قراءته، ومراجعة تفسيره من السنّة النبوية، وكلام أهل اللغة وما كتبه المفسّرون الموثوقون.
وأعظم من ذلك كله .. ســــــــؤال العـبد لـربه أن يـفـهمـه مـعـاني كـتـابـه .
وأما ثمرات تدبر القرآن ..فحدّث ولا حرج .. ثمرات تدبر القرآن، أعظم من استيعابها من مثلي، إذ إنني أُعلن عجزي عن استتمام ذكرها:
فتدبّر القرآن إن رمت الهدى
                                                   فالعلم تحت تدبر القرآن
أسأل الله ـ جلَّ وعلا ـ أن يرزقنا وإياكم قلوباً تفهم كتاب الله .. وتعرف معانيه وتدرك أسراره .. كما أسأله ـ جلَّ وعلا ـ أن يفتح علينا وعليكم من أبواب فهم القرآن ما يقربنا إلى رضاه، ويرفع درجاتنا عنده، ويعلي منزلتنا في جنته، ويجعلنا من المقربين عند رسله، كما أسأله جلَّ وعلا أن يفتح لنا أسرار كتابه.
هذا ، والله أعلم ..
وصلّى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ....

كان يحيى بن خالد يقول لولده: اكتبوا أحسن ما تسمعون، واحفظوا أحسن ما تكتبون، وتحدّثوا بأحسن ما تحفظون.







المشاركات الشائعة