قال ابن تيمية رحمه الله: ( إن اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، لأن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بالعربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ).
مقاطع اليويتوب النقي الجديدة  

الخميس، 5 أغسطس 2010

قـــلـــوب الصـــــــائــميـــن

بســم اللـه الــرحـمــن الــرحــيـم

قـــلـــوب الصـــــــائــميـــن

فــضــيلــة الشـيـخ سـعــد بـن نـاصــر الشــثـري

تـــدبــّر القـــــــــــــرآن
الحمد لله الذي أنزل القرآن شفاء لما في الصدور .. وهدى وموعظة للمتقين .. وأشهد أن لا إله إلا الله كلامه صدق وحق مبين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله و أصحابه وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد ..
فإن من عبادات قلوب المؤمنين، تدبر القرآن، وخصوصاً في شهر رمضان، قال تعالى( شهرُ رَمَضَان الّذي أُنزِلَ فِيهِ القُرآن هُدىً لِلنّاسِ وَبيّناتٍ من الهُدَى والفُرقَان).
ومن أعظم القُربات، وأعظم المواعظ، وأفضل أسباب حياة القلوب .. تدبر القرآن، والتفكّر في قصصه ومواعظه، وحججه وبيّناته وأدلّته ( لَو أنزَلنَا هَذَا القُرآنَ عَلَى جَبَل ٍلَرَأيتَهُ خَاشِعَاً مُتَصَدِّعَاً مِن خَشيَةِ الله ).
أيها المؤمن .. اسمع ربك وخالقك المتصرف في الكون يقول ( وكَم أهلَكنَا قَبلَهُم مِن قَرن ٍهُم أشدُّ مِنهُم بَطَشَا فَنَقّبُوا فِي البلادِ هَل مِن مَحِيص إنَّ في ذَلِكَ لَذكرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أو ألقَى السَمعَ وَهُوَ شَهِيد).
قال ابن القيّم رحمه الله في تفسير هذه الآية :{ الناس ثلاثة رجال: رجل قلبه ميت، فذلك الذي لا قلب له، فليست هذه الآية ذكرى في حقّه، وهو بمنزلة الأعمى الذي لا يبصر. والثاني رجل له قلبه حي مستعد، لكنه غير مستمع للآيات المتلّوه التي يخبر الله بها عن الآيات المشهودة، إما لعدم ورودها إليه، أو لوصولها إليه وقلبه مشغول عنها بغيرها، فهذا أيضاً لا تحصل له الذكرى، مع استعداده ووجود قلبه، فهو بمنزلة البصير الذي يشاهد جهة غير الجهة التي يستفيد من النظر إليها والثالث رجل قلبه حي، حي القلب، مستعد، تُليت عليه الآيات، فأصغى بسمعه وألقى السمع وأحضر القلب، ولم يشتغل بغيره، فهو شاهد القلب، مُلقى السمع، فهذا الذي ينتفع بالآيات المتلُوة والمشهودة }.
فمن كان له قلب وقّاد، يستخرج العبر ويتفهّم المعاني من الكتاب العزيز، فهذا الذي يكون للآيات القرآنية نور في قلبه وهؤلاء هم أكمل خلق الله، وأعظمهم إيماناً وبصيرة.
وقال تعالى(أفلا يَتَدَبّرُونَ القُرآن أم عَلَى قُلُوبٍ أقفَالُهَا ) وهذا إنكار على من يعرض عن تدبر القرآن ، وقال (أفَلا يَتَدَبّرُونَ القُرآن ولَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدُوا فيهِ اختِلافَاً كَثيرَا).
وقال ( أفَلَم يَدبّرُوا القَولَ أم جَاءَهُم مَا لَم يَأتِي آبَاءَهُمُ الأوَلِين) وقال ( كِتَابٌ أنزلنَاهُ إليكَ مُبَارَكٌ لِيَدَبّرُوا آيَاتِهِ ولِيَتَذَكَّرَ أولُوا الألبَاب).
وقد ذم الله جلَّ وعلا المعرض عن هذا القرآن، بما يشمل المعرض عن تدبّره، قال تعالى(ومَن أظلَمُ مِمّن ذُكِّرَ بِآياتِ رَبّهِ فَأعرَضَ عَنهَا ) وقال( ومَن أظلَمُ مِمّن ذُكّرَ بآياتِ رَبّهِ ثُمَُّ أعرَضَ عنها) .
ومن لم يشتغل بتدبّر آيات هذا القرآن العظيم، أي لم يشتغل بتفهّمها وإدراك معانيها والعمل بها، فإنه معرض عنها، غير متدبر لها، فيستحق الإنكار والتوبيخ المذكورة في هذه الآيات.
وترك تدبر القرآن من أنواع هجر القرآن الداخل في قول الله تعالى( وَقَالَ الرَسُولَ يَا رَبّي إنّ قَومِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرآنَ مَهجُورا).
قال العلّامة الشنقيطي:{ الحق الذي لا شك فيه ، أن كل من له قدرة من المسلمين ، على التعلم والتفهم وإدراك معاني الكتاب والسنّة ، يجب عليه تعلمهما ، والعمل بما علم منهما }.
إن من أعظم ما يدعو الإنسان إلى التدبر في كتاب الله، ما احتواه هذا الكتاب من الخير العظيم، قال تعالى ( يا أيُّهَا النّاسُ قَد جَاءَكُم بُرهَانٌ مِن رَبِّكُم و أَنزَلنَا إليكُم نُورَاً مُبِينَا ) وقال ( قد جَاءَكُم مِنَ اللهِ نُورٌ وكِتَابٌ مُبِين يَهدِي بهِ اللهُ مَنِ اتّبَعَ رِضوَانَهُ سُبُلَ السّلام ويُخرِجُهُم مِنَ الظُلُمَاتِ إلى النورِ بِإذنِهِ ويَهدِيهِم إلى صِرَاطٍ مُستَقيم ) وقال ( ما كُنتَ تَدرِي مَا الكِتابُ ولا الإيِمَان ولَكَن جَعلنَاهُ نُوراً نَهدِي بِه مَن نَشَاءُ مِن عِبَادِنَا )، فإذا كان القرآن نورا .. فكيف تعمى بصيرة عاقل عن الاستضاءة بذلك النور.
ومن فضل الله علينا في عصرنا الحاضر، أن استجد لنا من وسائل التقنية وآلات الاتصال، ما يمكّن المرء من قراءة القرآن وسماعه، وتدبره في أي مكان، مما يسهّل عليه فهم القرآن وتدبره.
قال الثعالبي :{ تدبر القرآن كفيل لصاحبه بكل خير } وقال ابن سعدي :{ كتاب أنزلناه إليك مبارك ، فيه خير كثير وعلم غزير، فيه كل هدى من ضلالة، وشفاء من داء، ونور يستضاء به في الظلمات، وفيه كل حكم يحتاج إليه المكلفون، وفيه من الأدلة القطعية على كل مطلوب، ما كان به أجلَّ كتاب طرق العالم منذ أنشأه الله، ليدبروا آياته (أي هذه الحكمة من إنزاله ) ليتدبر الناس آياته فيستخرجوا علمها، ويتأملوا أسرارها وحكمها ، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة، تدرك بركته وخيره }.
وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر، أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود.
وبحسب لب الإنسان وعقله .. يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب .
وقال ابن القيم :{ فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته، من تدبر القرءان وإطالة التأمل فيه، وجمع الفكر على معاني آياته، فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما ومآل أهلهما، وتضع في يده مفاتيح كنوز السعادة، والعلوم النافعة، وتثبّت قواعد الإيمان في قلبه، وتريه أيام الله في الأمم السالفة، وتبصّره بمواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله، وتعرّفه ذاته وأسماءه وصفاته، وأفعاله وما يحبه وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه }. ومفتاح حياة القلوب، تدبر القرآن، والضراعة بالأسحار، وتوبة العبد وتركه للذنوب.
والذي يدعوا لتدبر القرءان عدد من الأمور .. منها:
أولاً: طاعة أمر الله جلَّ وعلا الذي أمر بتدبر القرءان، قال تعالى( إنّا جَعَلنَاهُ قُرءَانَاً عَرَبِيَاً لَعَلّكُم تَعقِلُون ).
وثانيها: أن تدبر القرآن، يعرف العبد بمعالم الخير والشر، وطرقهما وثمراتهما، ومآل أهلهما، وكيفية التمييز بينهما .
وثالثها: أن تدبر القرآن، يثبّت الإيمان في القلب، ويرسّخه بقواعد متينة.
ورابعها: أن تدبر القرآن، يزيد في عقل الإنسان، من خلال مطالعة عواقب الأمور، ومعرفة ما حلّ بالأمم السابقة.
وخامسها: أن بتدبر القرآن، يعرف المرء معاني أسماء الله الحسنى، ويتعرف على ما يحبه الله ويرضاه، ويستجلب بذلك رضا رب العالمين وخير الدنيا وال آخرة.
وسادسها: أن المرء بتدبر القرآن، يتمكن من تطبيق القرآن على نفسه، بل وتعرّفه صفات نفسه، ليتمكن من معالجتها بما يناسبها. وبتدبر القرآن، تزول كثير من وساوس الشياطين، ويتمكن المرء من صد هذا العدو عنه.
وأما الوسائل المعينة على تدبر القرآن ..فترتيل القرآن ، وحسن قراءته، واختيار الأوقات المناسبة لقراءته، وتفريغ القلب من المشكلات وقت قراءته، ومراجعة تفسيره من السنّة النبوية، وكلام أهل اللغة وما كتبه المفسّرون الموثوقون.
وأعظم من ذلك كله .. ســــــــؤال العـبد لـربه أن يـفـهمـه مـعـاني كـتـابـه .
وأما ثمرات تدبر القرآن ..فحدّث ولا حرج .. ثمرات تدبر القرآن، أعظم من استيعابها من مثلي، إذ إنني أُعلن عجزي عن استتمام ذكرها:
فتدبّر القرآن إن رمت الهدى
                                                   فالعلم تحت تدبر القرآن
أسأل الله ـ جلَّ وعلا ـ أن يرزقنا وإياكم قلوباً تفهم كتاب الله .. وتعرف معانيه وتدرك أسراره .. كما أسأله ـ جلَّ وعلا ـ أن يفتح علينا وعليكم من أبواب فهم القرآن ما يقربنا إلى رضاه، ويرفع درجاتنا عنده، ويعلي منزلتنا في جنته، ويجعلنا من المقربين عند رسله، كما أسأله جلَّ وعلا أن يفتح لنا أسرار كتابه.
هذا ، والله أعلم ..
وصلّى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ....

ليست هناك تعليقات:

كان يحيى بن خالد يقول لولده: اكتبوا أحسن ما تسمعون، واحفظوا أحسن ما تكتبون، وتحدّثوا بأحسن ما تحفظون.







المشاركات الشائعة